الصدمة تجعلك اقوى أو ما لا يقتلك يجعلك أقوى..
نرى هذه العبارات كثيراً على شبكات التواصل الاجتماعي وقد نسمعها في الأفلام والمسلسلات أو قد تأتي كنصيحة أو مواساة من قبل صديق/ة ما
ولكن قد لا تكون هذه العبارة دقيقةً جداً، فما لا يقتلكم/ن قد يجعلكم/ن أقوى فعلاً ولكنه قد يسبب لكم/ن في بعض الحالات ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة هل تعرفونه؟
اضطراب ما بعد الصدمة
اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب نفسي من اضطرابات القلق وقد يصيب الأشخاص بعد تعرضهم/ن أو مشاهدتهم/ن لتجربة قاسية وصادمة
حيث تم اكتشاف هذا الاضطراب عند ملاحظته عند الجنود الذين نجوا من الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا لا يعني أنه مرتبط فقط بالحرب، فالعديد من التجارب القاسية قد تسبب اضطراب ما بعد الصدمة كالتعرض لحادث سيارة أو فقدان أحد المقربين أو التعرض للتحرش الجنسي أو الضرب المبرح.
ولاضطراب ما بعض الصدمة أنواع، منها المتأخر والذي قد تظهر أعراضه بعد مدة تزيد عن 6 أشهر منذ التعرض للتجربة القاسية، والمعقد الذي يستمر لفترة طويلة، والنوع الذي قد يصيب الأشخاص الذين يتعرضون/ن لألم كبير أثناء الولادة.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة
قد تختلف الأعراض من شخصٍ لآخر، حتى ولو كانت التجربة الصادمة ذاتها، إلا أن بعض الأعراض الشائعة تتضمن:
• تذكر ما حدث كأنه يحدث الآن، أو ما يسمى بـ الذكريات الحية
وقد تأتي أيضاً على شكل صور أو أفكار أو كوابيس، ويترافق تذكر هذه الأحداث بالتوتر الشديد أو ببعض الأحاسيس الجسدية التي قد تتضمن الألم والتعرق والغثيان.
• اليقظة الشديدة والشعور بالضيق
التي تتضمن الشعور بالذعر عند تذكر الأحداث الصادمة أو عند سماع صوت قوي مفاجئ، والشعور بالضيق والغضب بسهولة، واليقظة المفرطة لما قد يحدث
بالإضافة إلى الإصابة بـاضطرابات النوم والتهيج والسلوك العدواني، وأيضاً صعوبة في التركيز حتى بأبسط المهام اليومية، وتدمير الذات والاتصاف بالتهور.
• تجنب المشاعر أو الذكريات
وقد يتضمن ذلك الانشغال المقصود الدائم لتجنب أي شيء قد يذكر بالصدمة، واستخدام الكحول والمخدرات لمحاولة نسيان ما حدث
وقد يتضمن الأمر أيضاً عدم القدرة على تذكر تفاصيل ما حدث، بالإضافة إلى الشعور بالخدر العاطفي والانقطاع عن المشاعر حتى يصبح التعبير عن المودة صعباً أحياناً، والشعور بالخدر الجسدي والانفصال عن الجسد.
• مشاعر غامرة وصعبة
ويتضمن ذلك عدم الثقة بأحد، والشعور بعدم وجود مكانٍ آمن وبعدم وجود أشخاص متفهمين
بالإضافة إلى لوم الذات على ما حدث ومشاعر غامرة كالغضب والحزن والإحساس بالذنب والخجل.
اضطراب ما بعد الصدمة والمجتمع الكويري
تشير العديد من الدراسات إلى أن أفراد المجتمع الكويري، وخصوصاً العابرون والعابرات، هم/ن أكثر عرضةً للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة
ذلك بسبب التجارب القاسية التي يمرون بها، حيث يعد التعرض لمواقف تتضمن التنمر والتحرش والابتزاز والاضطهاد والرفض من أهم مسببات اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات نفسية أخرى عند أفراد المجتمع الكويري.
كما أشارت الدراسات أنه حتى عند غياب حدث صادم حقيقي في حياة أفراد المجتمع الكويري، فإن العديد منهم/ن يطورون/ن أعراضاً مشابهة لأعراض اضطراب ما بعد الصدمة
ويمكن لهذه المشاعر أن تتطور مستقبلياً حتى تصبح اضطراباً فعلياً
وذلك بسبب تراكم العديد من المواقف التي تسبب لهم/ن الأذى النفسي وبسبب الاضطهاد والرفض من قبل المجتمع والخوف والقلق الدائمين، وبسبب الإصابة باضطرابات نفسية أخرى كالاكتئاب والقلق وغيرها.
وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص، يتعرض العديد من أفراد المجتمع الكويري لأحداث صادمة قد تتمثل بالاعتقال والتعرض للضرب والتعذيب والتنمر والاعتداء اللفظي أيضاً
كما أن الوضع الأمني غير المستقر في العديد من الدول العربية يزيد فرص الإصابة بهذا الاضطراب.
العلاج
من المهم جداً تلقي العلاج عند الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة وخصوصاً عندما يؤثر على الحياة اليومية للمصابين/ات
ويتضمن العلاج مزيجاً من الأدوية والعلاج النفسي عند أخصائي، وعلى الرغم من وجود احتمال بعدم علاج الاضطراب تماماً، إلا أن تلقي العلاج يساعد على تطوير تقنيات ومهارات للتعامل مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة والتخفيف منها ومن أثرها.
وكما نذكر دائماً، من المهم جداً لأفراد المجتمع الكويري البحث عن أخصائي نفسي متقبل ومتفهم لقضايا مجتمعنا لضمان تلقي العلاج المناسب والصحيح.